اعظم و اغلى حفلة بالتاريخ نظمها شاه ايران بالصحراء
سبب أقامة الحفلة الاغلى فى العالم
كانت إيران في ستينيات القرن الماضي ذات نظام ملكي دستوري ، يحكمها الشاه محمد رضا بهلوي ، الذي يلقب كذلك بلقب (ملك الملوك) ، وكان الشاه واحدًا من أثرى الرجال في العالم فى تلك الفترة الزمنية ، وقد كان الشاه يملك سلطات مطلقة فى حكم البلاد .
كان شاه ايران محمد رضا بهلوي قد درس فى شبابه فى سويسرا ، مما جعله مغرما بالثقافة الغربية وحياة الرفاهية ، وكان من احلامه الشخصية استعادة امجاد اجداده حكام امبراطورية الفرس واستعادة موقعها كقوة اقليمية وعالمية .
لـذا لم يجد فرصة افضل من ذكرى مرور 2500 عام على تأسيس مملكة فارس القديمة لأحياء حفل اسطورى رسمي بهذه المناسبة من تاريخ 14 أكتوبر إلى 16 أكتوبر عام 1971م ، كما وجدها فرصة لتصدير صورة غير حقيقية لشعبه انه استعاد مجد اجداده وان ايران فى افضل وضع بين دول العالم وأنه الحاكم الذى سيساعد بلده ايران لتحتل موقعا متقدما بين دول العالم أجمع .
مشاكل ومعوقات مكان الحفلة الاعظم فى العالم والتاريخ
تم تشكيل لجنة عليا لتنظيم الاحتفالية الكبرى برئاسة شاه ايران ( محمد رضا بهلوي) ، واجهت الشاه ازمة كبيرة وهى ان وضع البنية التحتية والفنادق والمبانى بجميع مدن ايران غير لائق لاحتفالية تاريخية كما ان ايران تفتقر لقلاع فاخرة أو اثار عالمية لاقامة الاحتفالية بجوارها .
لـذا استقر رأى شاه ايران ( محمد رضا بهلوي) على اختيار صحراء مدينة برسبولس الإيرانية الأثرية (تخت جمشيد) ، وقرر الشاه بناء حى ملكى فاخر بأستخدام الخيام بهذه الصحراء الجرداء .
ثم رأى الشاه ان الصحراء الجرداء لن تكون لائقة لهذه الاحتفالية ، فأعطى الشاه اوامره بزراعة 15 ألف شجرة والاف الزهور بالصحراء المجاورة للاحتفالية ليحول الصحراء الجرداء الى غابة تسر الناظرين ، إلا انه واجهت اللجنة المنظمة للاحتفالية مشكلة أن تربة الصحراء ذات طبيعة صخرية وغير صالحة للزراعة ، فتم حفر 400 الف متر مربع من الاراضي الزراعية ونقلها الى الصحراء ، كما تم الاستعانة بخبير الزهور العالمى (جورج تريفو) للاشراف على زراعة غابة الاشجار والزهور العطرية.
واجهت اللجنة المنظمة مشكلة جديدة وهى كثرة الثعابين والعقارب السامة التى تستوطن هذه الصحراء من الاف السنين ، والتى تشكل خطر داهم على ضيوف الحفل من أهم الشخصيات حول العالم ، فتم تشكيل حملة ضخمة من المتخصصين لتمشيط مساحة 30 كيلومتر مربع ، واسفرت الحملة عن صيد الاف الزواحف السامة واكتشاف انواع غير معروفة ونادرة من الثعابين والعقارب وارسالها هدايا الى الجامعات الكبرى حول العالم لأغراض بحثية .
بعد انشاء وزراعة الغابة ، وجد شاه ايران ( محمد رضا بهلوي) أن الغابة مثل الصورة الفوتوغرافية الجميلة ولكنها بلا روح ، فأمر بأستيراد 50 الف من الطيور المغردة من دول اوروبا واطلقها بالغابة ، كما استورد 20 الف عصفور دورى من اسبانيا لذات الغرض ، إلا ان القرار كان عشوائي وغير مدروس فماتت اغلب عصافير الدورى خلال ايام قليلة بسبب ارتفاع درجة الحرارة فى ايران عن موطنها الاصلي فى اسبانيا .
قامت وزارة السياحة ببناء فندقين جديدين كليا في شيراز ، وأطلقت عليهما اسم قورش و داريوش ، وكان كل فندق بسعة 150 غرفة ، وكان هدفهم إيواء الضيوف الأقل مكانة والاعلاميين والفنانيين .
التحضير لأكبر و أعظم حفلة و مناسبة بالتاريخ
تم انشاء مطار جديد بمنطقة شيراز على بعد 50 كيلومتر من موقع الاحتفالية لأستقبال الضيوف ، وانشاء طريق مباشر من المطار الى الاحتفالية ، وكان المطار والطريق يتم حراستهم 24ساعة بقوات مكثفة من الجيش الايراني .
استعانت اللجنة المنظمة للاحتفالية بشركة (جانسن) الفرنسية لتنفيذ الخيام الملكية المكيفة بشكل فاخر على الطراز الفارسي ، وكانت كل خيمة تضم ( 2 غرفة نوم + 2 حمام + غرفة جلوس + مطبخ كامل بالطهاة) ، وقد وصل اجمالى هذه الخيام الى عدد 50 خيمة ملكية .
تم الاستعانة مطعم Maxim’s de Paris الشهير الذي مقره باريس بفرنسا ، والذي كان يعتبر أفضل مطعم في العالم فى تلك الحقبة الزمنية ، وقد أغلق المطعم الشهير ابوابه قبل موعد الحفل بأسبوعين وتم ارسال جميع الطهاة والمعدات الى ايران .
تم استيراد خامات الطعام من فرنسا بالطائرات وكانت تضم على سبيل المثال 2700 كجم من لحم البقر ، 1280كجم من الدوجن ، ربع مليون بيضة
تم تخصيص اربع طائرات بصفة مستمرة لتوفير مكعبات الثلج الضخمة اللازمة على مدار ثلاث ايام هى مدة الاحتفالية من تاريخ 14 أكتوبر إلى 16 أكتوبر عام 1971م
تم انشاء خيمة كبيرة تضم داخلها 16 صالونا للعناية بالشعر ، وأربعة صالونات للتجميل وصالونا واحدا للحلاقة خاصا بالرجال ، و دعي نخبة خبراء التجميل والحلاقة والعناية بالشعر الفرنسيين لتوفير خدماتهم للضيوف وسيداتهم المرافقات لهم .
تم توقيع عقود بمبالغ طائلة مع اهم القنوات التلفزيونية الغربية لأذاعة الاحتفالية على الهواء مباشرة وعلق على الاحتفالية الممثل الامريكي الشهير اورسن ويلز .
كما تم اصدار التعليمات لسفارات ايران فى العالم قبل موعد الاحتفالية بشهور لعقد حفلات وندوات على الاحتفالية وأهمية الاحتفال بذكرى مرور 2500عام على تأسيس امبراطورية فارس ، وذلك بغرض جذب اهتمام السياسيين والفنانيين والكتاب حول العالم لحضور الاحتفالية الاسطورية .
تأمين و حماية الحفل الأكبر و الأغلى عبر التاريخ
انباء واخبار الاحتفالية الاسطورية اغضبت الشعب الايرانى (عكس ما كان يتصوره الشاه) وادت الى اندلاع اعمال عنف بأغلب انحاء البلاد ، مما استلزم اجراءات امنية مشددة لحماية ضيوف الشاه وتوفير الامان اللازم لهم ، حيث تم غلق جميع الجامعات والمدراس واغلاق الحدود الايرانية ومنع دخول البلاد للجميع عدا ضيوف الاحتفالية ، كما قامت الشرطة السرية الايرانية باعتقال الاف الشباب بمجرد الشك والاشتباه ، كما تم تفكيك جميع الهيئات الطلابية واعتقال قياداتهم بصورة مؤقتة
تم حراسة الطرق المؤدية للاحتفالية بعدد 65 الف فرد من الشرطة والجيش الايراني ، كما تم وضع حراسة مشددة على خيمة الاحتفالية والمطبخ خوفا من خطر تسميم الطعام للضيوف حيث كان يتم تفتيش الطهاة والعاملين بالمطبخ بصورة دورية ودقيقة .
كما تم توفير 250 سيارة ليموزين مضادة للرصاص لنقل الضيوف و الشخصيات الهامة من مطار شيراز على بعد 50كم الى مقر الاحتفالية بمدينة تخت جمشيد (برسبولس) .
الشخصيات الهامة التى حضرت الاحتفال الاسطورى
تم التخطيط فى البداية لحضور الرئيس الأمريكى (نيكسون) للاحتفال ، إلا أن المخابرات الامريكية حذرته من حضور حفل بهذا الحجم بمكان مفتوح ويصعب تأمينه ، لــذا حضر الحفل نائب الرئيس الأمريكى (سبيرو أغنيو) بدلاً منه .
من جهة القوة العظمى الاخرى بالعالم وهى الاتحاد السوفيتى ، فقد حضر رئيس الاتحاد السوفيتي (نيكولاي بودجورني) شخصيا ، و أوفدت الصين سفيرها فى ايران .
كما تم تمثيل النمسا وفنلندا وسويسرا وبلغاريا والبرازيل وتركيا والمجر وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا وعدد من الدول الافريقية من طرف رؤسائها ، بينما تم تمثيل فرنسا وإيطاليا وكوريا الجنوبية وسوازيلاند من طرف رؤساء وزرائها ، كما أرسلت ألمانيا الغربية رئيس البندشتاغ والبرتغال أرسل بوزير خارجيته ، كما أرسل البابا بولس السادس ممثليه الخواص بدلا عنه
اما من الحضور من العائلات المالكة حول العالم ، فقد حضر إمبراطور إثيوبيا ، وملك وملكة الدنمارك ، وملك وملكة بلجيكا ، وملك وملكة النيبال ، وملك وملكة اليونان ، وملك وملكة الأردن ، وملك النرويج ، وملك ليزوتو ، وأمير البحرين ، وأمير قطر ، وأمير الكويت ، وأمير أبو ظبي ، وسلطان عمان ، وأمير وأميرة أفغانستان ، وأمير وأميرة ليشنشتاين ، وأمير وأميرة لوكسمبرغ ، وأمير وأميرة موناكو ، وأمير السويد ، وأمير إسبانيا ، وأمير إيطاليا ، وأمير اليابان ، وأمير المغرب ، وأمير تايلاند .
رفضت العائلة المالكة البريطانية حضور الملكة اليزابيث للحفل وتم ايفاد زوجها فيليب دوق ادنبره .
تفاصيل أهم و اغلى حفل بالتاريخ
بدأ مراسم الاحتفال 14 أكتوبر عام 1971م بمراسم بسيطة أمام قبر (قورش الكبير) مؤسس الامبراطورية الفارسية ، و أدلى شاه ايران ( محمد رضا بهلوي) بخطاب مؤثر عن الامبراطورية الفارسية وتعهد لشعبه أمام الحضور بأن الإيرانيين اليوم سيستمرون في إثبات كونهم جديرين بماضي أجدادهم المجيد .
وبما أن معظم العائلات الملكية الأوروبية تربطها ببعض علاقات اسرية ونسب ، فقد سنحت لهم الفرصة للالتقاء وقضاء بعض الوقت مع بعضهم البعض ، حيث كانوا يقصدون خيم بعضهم البعض لتناول المشروبات في المساء ، وقد أفاد عدة صحفيين لاحقا كيف أن الأمر بدا حلم خيالي ، حيث قد يصادف أحدهم نائب رئيس الولايات المتحدة وهو يسترخي جالسا على كرسي خارج خيمته ، ثم في الخيمة المجاورة تصادف رئيس الاتحاد السوفييتي ، حيث بدا الأمر كله مثل العيش في بلدة صغيرة لا يعيش فيها سوى نخبة وقادة العالم .
تم تقديم طعام العشاء على طاولة يبلغ طولها 70 مترا على شكل ثعبان ملتوي مع كون الحضور كلهم جالسين على جانب واحد منها ، وقد قضت 125 امرأة متخصصة حوالى 6 شهور من العمل الشاق من أجل تطريز غطاء هذه الطاولة ، ما الضيوف الآخرون الذين كان من بينهم سفراء ومرافقي زعماء الدول فقد جلسوا في مجموعات من 12 شخصا على طاولات أصغر حجما.
تناول 600 ضيف طعامهم في وجبة لن يعرف لها الزمن مثيلاً بعد ذلك على الإطلاق ، وقد دامت المأدبة 6 ساعات من الزمن ما يجعلها أطول مأدبة رسمية وأكثرها بذخا في العالم ، وهو ما تعترف لها به موسوعة جينيس للأرقام القياسية
رغم أن إيران كانت دولة إسلامية، وشعبها لا يحبذ الكحوليات ، غير أن هذا لم يمنع حفلة الشاه من الغرق حرفيا في أغلى أنواع المشروبات الكحولية ، حيث تم تقديم حوالي 2500 زجاجة من الشمبانيا ، و1000 زجاجة من شراب البوردو ، و1000 زجاجة من شراب البورغندي ، كانت الشمبانيا معتقة من سنة 1911 بينما كان شراب الكونياك المعتق من سنة 1860
فى اليوم التالي الخامس عشر من شهر أكتوبر سنة 1971 ، بدأت الاحتفاليات بالحدث الرئيسى ، فأجتمع الضيوف في رقعة واسعة من الصحراء ليشهدوا التتويج الثاني والمهيب للإمبراطورية الفارسية في عيد ميلادها الـ2500 ، سار 1724 جنديا مع مئات الجياد الإيرانية الأصيلة في ما أصبح يعرف بأعظم مسيرة في التاريخ ، ممثلين جيوش السلالات المتعاقبة التي حكمت الإمبراطورية الفارسية ، وتمت صناعة الأزياء واللحى والشعر المستعار والبذلات المبهرجة والعربات المفتوحة الذهبية، والأسلحة، والسفن الحربية بعد بحث مفصل ودقيق من طرف فرق من مؤرخين من دول وجنسيات مختلفة متخصصين في تاريخ الحروب والجيوش .
بعد غروب الشمس، تبع الضيوف مضيفهم الشاه لمشاهدة أداء مذهل من الأصوات والأضواء المتنوعة بين أطلال مدينة تخت جمشيد الأثرية مع أصوات درامية ، في وقت لاحق من نفس الليلة تم التخطيط لعرض مذهل من الألعاب النارية ، والذي جاء مباغتا للحضور الذين شعروا بالهلع في البادئ لاعتقادهم بأن الموقع كان تحت هجوم إرهابى .
في صباح اليوم التالى الموافق السادس عشر من شهر أكتوبر سنة 1971 ، انتهت الاحداث الرئيسية للاحتفال وغادرت الكثير من الشخصيات المهمة من ضيوف الشاه مدينة تخت جمشيد الى بلادهم .
تكلفة اغلى و اعظم حفلة فى التاريخ
كعادة أغلب الدول الديكتاتورية لم يتم الاعلان رسميا على الارقام الحقيقية لتكلفة الاحتفالية ، مؤكد لعدم استفزاز الشعب الايراني .
تحدث الاعلام الموالى للشاه الايراني ان تكلفة الحفل لم تتجاوز 17 مليون دولار ، و أدعى الاعلام ايضا انه قد تم جمع تبرعات من الدول المشاركة بالاحتفال لبناء 3200 مدرسة بجميع انحاء ايران .
تكلفة الحفل وفقا لتقديرات خبراء مجلة (تايم) بحوالي 100 مليون دولار التي تساوي اليوم 635مليونًا دولار ( حوالى 10 مليار جنيه مصري أو ما يزيد عن 2 مليار ريال سعودى )
بينما ضاعفت الصحافة الفرنسية والسويسرية هذا الرقم لتقدر أن التكلفة الفعلية للحفل أكثر من مليار دولار بأرقام اليوم ( حوالى 15 مليار جنيه مصري أو ما يزيد عن 3 مليار ريال سعودى )
حال اسرة واحفاد شاه ايران اليوم
هذا هو حال أسرة شاه ايران السابق محمد رضا بهلوى ، حيث نشر احفاده هذه الصورة فى عام 2019 من دولة فرنسا وتضم الصورة الامبراطورة السابقة فرح ديبا زوجة الشاه والى جوارها ابنها ولى العهد رضا بهلوى الثانى و زوجته و أحفاد شاه ايران
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق